لجنة الشريعة الاسلامية بالفيوم
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

العقوبة بين شمولية مقاصد الشريعة وقصور القانون

اذهب الى الأسفل

العقوبة بين شمولية مقاصد الشريعة وقصور القانون Empty العقوبة بين شمولية مقاصد الشريعة وقصور القانون

مُساهمة  Admin الثلاثاء مايو 11, 2010 2:07 pm

العقوبة بين شمولية مقاصد الشريعة وقصور القانون
أسامة الهتيمي
يعود تاريخ وجود الذنب والجريمة إلى بدء الخليقة حيث ارتبط وجودهما بوجود الإنسان ذاته والذي ربما انساق في الكثير من الأوقات إلى أطماعه وتحقيق شهواته وهفواته التي لا تنتهي، فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: (لو كان لابن آدم واديان من مالٍ لابتغى واديًا ثالثًا، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب) [متفق عليه، رواه البخاري، (6436)، ومسلم، (2462)]؛ لذلك فإن العقوبة لم تكن أمرًا مستحدثًا في حياة الإنسان أو حالة طارئة فيه، إنما هي من الأمور التي رافقت الإنسان منذ ولادته.





مفهوم العقوبة:





والعقوبة في اللغة تعني الجزاء على الذنب، ويقال لها أيضًا العقاب ومن هنا قالوا "قانون العقوبات" و"قانون الجزاء"، أما في الفقه الإسلامي فهي "جزاءات توصف بأنها حدود أو تعازير على محظورات شرعية زجر الله تعالى عنها" أو "هي جزاء يقرره الشارع في حق كل من يخالف أحكام الشريعة الإسلامية، أو يعين آخر على مخالفة تلك الأحكام، وتختلف طبيعة ذلك الجزاء باختلاف الجرم حدّةً وخفة".



وقد استُدل علي مشروعيتها بالكثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة التي تضمنت عقوبات محددة لجرائم بعينها، ومن ذلك قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (178) وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:178-179]، وما رواه الشيخان من قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها) [متفق عليه، رواه البخاري، (4304)، ومسلم، (4505)].



كما دعت إلى تنفيذها وتقنينها الحاجة والعقل تحقيقًا للعدالة وردعًا للمنحرفين والمجرمين، وطريقًا لإصلاحهم وتهذيبهم، وكفًا للضرر والفساد عن المجتمع أفرادًا وجماعات، وهو ما كان محلًا للاتفاق بين جميع الأديان والشرائع والقوانين قديمًا وحديثًا. أما في القانون الوضعي فإن للعقوبة تعريفات عديدة يسوقها فقهاء القانون، ومنها: "العقوبة هي جزاء يقرره القانون على من تثبت مسئوليته عن جريمة محددة". و"العقوبة قدر مقصود من الألم يقرره المجتمع ممثلًا بمشرِّعه، ليوقع كرهًا على من يرتكب جريمة في القانون بمقتضى حكم يصدره القضاء".



العقوبة في الإسلام:



لقد كان الإسلام من خلال تشريعاته وتعاليمه أحرص ما يكون على صون كرامة الإنسان والإعلاء من قدره {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ} [الإسراء:70]، بل إنه اعتبر أن حرمة دم المسلم أعظم عند الله من هدم الكعبة الشريفة، لهذا فقد عمل الإسلام على الوقاية من الجريمة قبل وقوعها حتى لا يحدث الاعتداء من أحد على أحد فتقع الإساءة أو الضرر على المعتدى عليه مما يستوجب معاقبة المعتدي.



وقد تعددت وسائل الوقاية في الإسلام، فمنها: تربية الفرد على مراقبة الله تعالى، والبعد عن معصيته، وتلبية مطالب المرء الفطرية وتيسيرها بالطرق المشروعة؛ لتحقيق ما يطمح إليه من تملك وتمتع بالطيبات من الطعام والشراب والزواج والسكن والاستقرار، فضلًا عن إلزام السلطة الحاكمة بإقامة العدل الاجتماعي، وإعانة مواطنيها على التصرف الرشيد في المجالات والمبادئ المادية والمعنوية.





والنظر إلى أشكال العقوبة في مقابل دواعيها في الإسلام يكشف عن أن فكرتها تنطلق من كونها ردًا إصلاحيًّا على تصرفات أخلت بالمقاصد الشرعية الخمسة، وهي "حفظ المال، والعقل، والنسل، والدين، والمال"، إذ أن كل إخلال بواحد من هذه المقاصد هو عدوان على حقوق الله تعالى، وهو ما يسمى بالحق العام أو حق المجتمع أو عدوان على حقوق الأفراد.



فالعقوبة في الإسلام إذن هي الجزاء المقرر لمصلحة الجماعة على عصيان أمر الشارع، والمقصود من فرض عقوبة على عصيان أمر الشارع هو إصلاح حال البشر وحمايته من المفاسد، واستنقاذهم من الجهالة، وإرشادهم من الضلالة وكفهم عن المعاصي وبعثهم على الطاعة. والعدوان يختلف من حيث الشدة والخفة في وقوعه، فالعدوان على الفرد قد يكون بالقتل أو بالجرح أو بالضرب أو بالشتم، ومعلوم أن هذه التصرفات ليست سواء في العقوبة والمؤاخذة، وهو ما دفع الفقهاء إلى تقسيم الجرائم إلى: ما يوجب الحد، كالزنا {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ} [النور:2]، وشرب الخمر، وما يوجب القصاص { وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ}، وما يوجب التعزير الذي يعود تقديره إلى القاضي، وبالتالي فإن كل عقوبة في الإسلام هي تقدير مثالي لنوع الجريمة وقدرها وذلك من حيث التشديد والتخفيف، إذ كان هدف الشريعة من العقوبة هو مراعاة انزجار الجاني بها بلا نقص ولا زيادة.



كذلك فإن ما يميز العقوبة في الإسلام أن نظرة الشريعة الإسلامية إلى الحدود والقصاص وجرائم التعزير المتعلقة بأصول الدين والأخلاق، لا تتغير لأن أساس التجريم فيها مستند إلى فعل ما نهى الله عنه أو ترك ما أمر به، وهو مستقبح في كل زمان ومكان، لإخلاله بالمقاصد الخمسة، فالقتل والزنا هما القتل والزنا في كل زمان ومكان.



يضاف إلى ذلك أن طريقة التجريم في الشريعة الإسلامية تختلف عن غيرها، فهي لم تكن قد وضعت الإجراءات الاعتباطية في طريقة تجريم الإنسان، وإنما كان الدين الإسلامي أحرص على تبرئة ساحة المتهم قبل أن يدان بالجرم الذي اتهم فيه، امتثالًا للقواعد العامة التي تقوم على العدل والرحمة في آن واحد من قبيل: "ادرؤوا الحدود بالشبهات"، و(ادرءوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم فإن كان له مخرج فخلوا سبيله، فإن الإمام أن يخطئ فى العفو خير من أن يخطئ فى العقوبة) [رواه الترمذي، (1489)، وضعفه الألباني في ضعيف سنن الترمذي، (237)].



العقوبة في القانون:



تقضي الموضوعية القول بأن ثمة تفاوت في نظرة القانون الوضعي إلى العقوبة إذ كان من صفاتها وأنواعها في القديم التحقير وتقطيع الأوصال والحواس وبقر البطن، وإلباس أطواق الحديد والحرق أو الوسم بأداة محماة في النار؛ حيث كان الغرض منها الانتقام.



ثم طرأ تغيير طفيف على هذه النظرة دون أساليب العقوبة، فظهرت فكرة المعاقبة للتكفير عن خطايا المجرم، وهذا ما ذهبت إليه اليهودية والنصرانية، وبقي الأمر كذلك عند الغربيين حتى ضعفت سيطرة الكنيسة في منتصف القرن الثامن عشر، وكانت من قبل تعاقب بالأساليب الفظيعة التي لا تتفق مع مقدار الجريمة وضررها على الأفراد وعلى المجتمع، ومن ذلك ما كان يوقعه مثلًا البرلمان الفرنسي من عقوبة واحدة على القاتل، والسارق، ومحتكر القمح، فيما كان يعاقب القانون البريطاني حتى القرن الثامن عشر على مائتي جريمة بعقوبة الإعدام.



أما في الفكر القانوني المعاصر فقد استقرت نظرة القانون على أن الهدف من العقوبة هو إصلاح المجرم في فترة تنفيذ عقوبة السجن، غير أنه لم يهتم اهتمامًا كبيرًا بكون العقوبة رادعة وزاجرة لغيره ممن يفكر بالجريمة؛ حيث لم تأت العقوبات في أغلب الأحيان على قدر الجرائم وهو ما دفع المجرمين إلى عودة ارتكابها مرة أخرى، بل وأغرت هذه العقوبة آخرين بارتكابها؛ فازادات أعداد المجرمين وتطورت أنواع الجرائم وأساليبها بطرق مدهشة.



كذلك فإن القوانين الوضعية لم تقم وزنًا كبيرًا لبعض المقاصد الخمسة التي حرصت الشريعة الإسلامية على رد العدوان عليها من أجل ضمان أمن المجتمع واستقراره النفسي، ومن ذلك مثلًا أن بعض القوانين وبخاصة الأمريكية والأوروبية لا تعتبر زنا "غير القاصرين" جريمة إذا تم بالتراضي وكذلك الشذوذ الجنسي والردة عن الدين.





أيضًا اتسمت نظرة القوانين الوضعية إلى العديد من الجرائم الخطيرة بعدم الثبات؛ حيث أصبحت الكثير من الجرائم في فترة معينة أمرًا مباحًا ومشروعًا في فترة أخرى، ومن ذلك مثلًا: زواج المثليين، الذي تقره في الوقت الحالي الكثير من القوانيين في العديد من البلدان، بل إن العديد من المواثيق الدولية تطالب الدول الإسلامية التي تعتبر الشذوذ الجنسي كبيرة من الكبائر بأن تعطي للشواذ الحق في الشذوذ.



يضاف إلى ذلك أن الأصل في نظرة القوانين الوضعية للعقوبة هو حفظ النظام السياسي الحاكم للدولة، وهو ما يفسر وجود العديد من العقوبات المقررة لمن ينال من النظام السياسي، على الرغم من أنها لا تتناسب مطلقًا مع حجم ما اقترفه الإنسان.



ومن ذلك مثلًا الحكم بإعدام كل من ينال من شخص قائد البلد ولو بكلمة واحدة، في حين نجد أن الكثير من القوانين الوضعية تبيح شرب الخمر ولا تعاقب شاربها، وتسمح بوجود بيوت البغاء والدعارة بل وتقر العديد من اللوائح التي تتنافى مع فطرة الإنسان والمنظومة القيمية؛ وهو ما يتنافى مع ما أقرته الشريعة الإسلامية ونظرتها إلى العقوبة؛ حيث استهدفت من وراءها حفظ الأخلاق الفردية والاجتماعية وضمان حالة الاستقرار العام بلا تعدي على كرامة الإنسان أو امتهانه.
نقلا عن موقع لواء الشريعة
[b]
Admin
Admin
Admin

المساهمات : 107
تاريخ التسجيل : 26/04/2010

https://muslim1share3a.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى